إيمان الحلبي
لم يكن مشهد الموكب العسكري الحاشد الذي رافق عودة وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا إلى العاصمة طرابلس قادما من تركيا، الذي أخرجته بحرفية ميليشيات مصراتة والتهديدات التي وجهتها إلى نظيرتها في طرابلس الداعمة لغريمه فايز السراج، إشارة إلى انقسام معسكر الغرب الليبي بين الرجلين والمدينتين فقط، بل يعطي فكرة عمّا ستحمله الأيام القادمة وإلى أين سيأخذ هذا الصراع المفتوح على السلطة، الأوضاع في ليبيا.وتوسعت الهوّة بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا، ووصلت إلى نقطة اللاعودة، بعدما قرّر الأول توقيف الوزير عن العمل وأمر بإجراء تحقيق بشأن الاعتداءات التي استهدفت المتظاهرين، وذلك في أعقاب اتهام باشاغا ميليشيات تابعة للسراج بمهاجمة المحتجين السلميين، كما قام باستبعاده من اجتماعين أمنيين رفيعي المستوى.وقبل تحديد موعد التحقيق مع باشاغا، الرجل القوي والصاعد في مصراتة والمرتبط بجماعة الإخوان المسلمين القريبة من تركيا، احتمى كل منهما بميليشيات مسلحة لحراسته، حيث تقف ميليشيات مصراتة خلف باشاغا ضد ميليشيات طرابلس الداعمة للسراج، ما زاد من احتمالية اندلاع صدام مسلح بين هذه الميليشيات.
النقطة التي أفاضت الكأس
وفي هذا السياق، رأى المحلل السياسي الليبي أبو يعرب البركي، أن المظاهرات الأخيرة لم تكن إلا النقطة التي أفاضت الكأس وأخرجت الخلافات بين الرجلين إلى العلن، مشيرا إلى أن ما يحصل هو صراع حول من يمثل إقليم طرابلس في السلطة الجديدة والتي يتم نقاشها الآن، معتبراً أن باشاغا يسعى للوصول للمنصب، ولكن هذا يتطلب الانقلاب على السراج و إخراجه من المعادلة، وهو ما حاول باشاغا فعله بمحاولة ركوب موجة الفساد ومحاربة الفاسدين.
دور تركيا
ولا يتوقع البركي وهو من مدينة مصراتة، أن يتطور الصراع بين باشاغا والسراج إلى صدام مسلح بين ميليشيات مصراتة ومنافستها في العاصمة طرابلس، موضحا أن تركيا ستمنع أي احتكاك مسلّح محتمل، لأن ذلك سيطيح بمخططاتها ويضعف دورها في ليبيا، الذي يعتمد على السراج وباشاغا معا، كما لن تتدخل لصالح أي أحد من الفريقين خشية انقلابه عليها وبالتالي انفراط عقد المنظومة التي تحاول تشكيلها غرب البلاد.وتابع في تصريح لـ”العربية.نت”، أن تطوّر النزاع في الغرب من سياسي إلى مسلّح سيحرج أنقرة أمام المجتمع الدولي ويثبت فشل تدخلها ويفضح دعمها لعصابات ومافيات مجرمة، و بالتالي فإن الأتراك سيمنعون أي مواجهات مسلّحة، لأنهم الخاسر الأكبر من انزلاق الوضع في الغرب إلى الفوضى.
حكم العصابات.. وخوف من تغوّل الإخوان
في المقابل، رجّح البركي أن يكون لهذا الصراع بين أهم أركان حكومة الوفاق تداعيات فورية على مستقبل وصورة الحكومة، إذ سيزيد من إضعافها داخليا وخارجيا، معتبراً أن الوفاق “سقطت أخلاقيا مثبتة أن من يحكم هم مافيات وعصابات لا يستوعبون أن السلطة هي أخلاق قبل كل شيء”.
من جانبه، أشار المحلّل السياسي محمد الرعيش، إلى أن التنافس على النفوذ بين السراج وباشاغا لم يعد مخفيا، حيث يقود باشاغا منذ فترة مخطّطا يستهدف دعم نفوذ ميليشيات مصراتة الإخوانية التي ينحدر منها وإزاحة ميليشيات العاصمة، الأمر الذي تفطن له السراج في الآونة الأخيرة وبدأ في تقوية ميليشيات طرابلس وحمايتها من المساعي التي يقودها وزير الداخلية لتفكيكها، خشية تغوّل تنظيم الإخوان وانقلابه عليه لصالح وزير الداخلية، خاصة بعد خروج باشاغا عن السيطرة وقيامه بتحركات وزيارات إلى تركيا دون دراية وتنسيق مع رئيس حكومته، وهي عوامل كلها سرّعت من قرار توقيفه عن العمل وإخضاعه للتحقيق في محاولة لتحجيم دوره وتقليص نفوذه المتصاعد.إلى ذلك، أشار الرعيش في تصريح لـ”العربية.نت”، إلى أن مؤشرات الصدام بين الميليشيات المسلحة الموالية للسراج وتلك الداعمة لباشاغا بدأت تظهر بعد تبادل الاتهامات ورسائل الوعيد بينهما، لكن السراج استبق ذلك بخطوة أراد من ورائها امتصاص غضب مصراتة، بتعيينه محمد علي الحداد رئيسا لأركان قوات الوفاق، وهو أحد قادة أكبر ميليشيات مصراتة (لواء الحلبوص)، في رسالة لأعيان المدينة ولقادة الميليشيات بأن الصراع مع باشاغا هو صراع شخصي وليس جهويا أو أيديولوجيا، مستبعدا في هذا السياق أن تتورط مصراتة في حرب من أجل باشاغا.
نقلاً عن العربية